كانت ندى قد اعتادت أن تنظف حمام شقتها الصغيرة قبل الفجر؛ طقس يومي تفعله في سكون البيت وهي وحدها. الساعة قاربت الخامسة صباحًا، الممر ساكن، وصوت المكيّف يهمس من بعيد. على الرف الصغير بجانب المرآة زجاجات العطور والمناشف المطوية بعناية، ورائحة منظف الليمون تملأ المكان. أضاءت الضوء الأبيض القوي، انعكست صورتها في المرآة كعادتها: عيون نصف مغمضة، شعر مربوط، يد تمسح الأرضية.
مسحت البلاط ببطء، ثم توقفت لتريح يديها. رفعت رأسها إلى المرآة لتجد انعكاسها لا يزال يتحرك رغم أنها توقفت. في البداية ظنت أن الضوء يخدعها أو أن التعب أثّر على بصرها. اقتربت أكثر لتتأكد، عيناها تتسعان في الصمت، والانعكاس يحدق فيها بعينين ساكنتين بلا رمش.
ابتسم الانعكاس فجأة بينما وجهها بقي ساكنًا. كانت ابتسامة باردة، عريضة، تكشف عن أسنان لا تتذكر أنها تملكها. تحركت شفتاه بلا صوت كأنه يهمس بشيء لا تسمعه. ارتجفت يداها وأمسكت بحافة المغسلة لتستعيد توازنها، لكن يديها في المرآة لم تتحركا مثلها بل رفعتا شيئًا غير مرئي.
أخذت نفسًا عميقًا وتراجعت خطوة إلى الوراء. انعكاسها في المرآة لم يتراجع بل اقترب، يده تخرج ببطء من سطح الزجاج كما يخرج شيء حي من ماء ساكن. أصابع بيضاء طويلة انزلقت عبر المرآة، قطرات ماء باردة تتساقط منها رغم أن الزجاج جاف. شعرت ببرودة الهواء حولها يتحول إلى ضباب.
حاولت أن تصرخ لكن صوتها خرج همسًا. تراجعت إلى الباب لكن الباب لم يكن خلفها؛ الحائط امتد وأغلق المخرج. ظلت تواجه المرآة، والانعكاس الآن يقف في وسط الحمام، جسده نصفه خارج الزجاج ونصفه الآخر بداخله. عيناها في المرآة سوداوان بالكامل، تلمعان كحجرين مبللين.
مدّت يدها لا إراديًا نحو الزجاج لتمنع خروجه، لكن أصابعها مرت خلال سطح بارد كالثلج. قبضت اليد الأخرى على معصمها من الداخل. سحبتها قوة غير مرئية إلى الأمام حتى شعرت بأنها على وشك السقوط داخل المرآة. الغرفة من حولها انقلبت، كل الأصوات تحولت إلى خرير ماء بعيد.
في اللحظة الأخيرة أغمضت عينيها بقوة، تتمنى أن تستيقظ من هذا الكابوس. عندما فتحتها وجدت نفسها واقفة في حمام يشبه حمامها لكنه أوسع، الأرضية مبللة بماء أسود، والمرآة أمامها فارغة لا يظهر فيها أحد. أصوات همس بعيدة ارتفعت من الجدران: «المرآة لا تنام… والليلة استيقظت.»
رفعت رأسها فرأت انعكاسها يعود ببطء إلى الزجاج، يقف خلف السطح مبتسمًا كأن شيئًا لم يحدث. حاولت أن تلمس الزجاج فلمست ماء باردًا لا ينتهي. لم تعرف إن كانت عادت إلى واقعها أم دخلت إلى واقع آخر، لكن يدها ما زالت ترتجف والابتسامة على الزجاج ما زالت ثابتة.